تعريف الحق والاتجاهات الفلسفية في صدد وجود الحق ” النظريات الفقهية ” نظرية الحق “

اولا  تعريف الحق :-

التعريف الدارج للحق ،أنه مكنة أو سلطة يعترف بها القانون للفرد ، ،على هذا المعنى وجد الحق دفاعا حماسيا من جانب أنصار القانون الطبيعي والمذهب الفردي ، أما أنصار المدارس الواقعية والاجتماعية فقد وجدوا في ذلك التعريف تشيعا لنزعة فردية ترفضها عقيدتهم ، فحاولوا هدم الفكرة واستبدال نموذج آخر بها ، تحل فيه فكرة المركز القانوني محل فكرة الحق، وتقوم فيه فكرة الواجب أو الوظيفة الاجتماعية ، مقام فكرة الاستئثار أو التسلط الفردي.

وسنعرض فيما يلي لأهم الاتجاهات الفلسفية في صدد وجود الحق وتعريفه .

المبحث الأول : أنصار فكرة الحق :-

يمثل هذا الاتجاه أغلبية من الفقهاء والفلاسفة، الذين تعرضوا لنظرية الحق، ومن هؤلاء من أعطى للحق تعريفا واسعا، ومنهم من وضع للفكرة بعض الحدود والضوابط ويصنف الفقه اتجاهات الدفاع عن الحق الفردي إلى ثلاث نظريات : النظرية الشخصية النظرية الموضوعية ، النظرية المختلطة ، وفيما يلي عرض موجز لكل منها .

H– النظرية الشخصية :-

تمثلها أساسا نظرية الإرادة التي نادى بها الفقيه سافيني، وتنظر هذه النظرية إلى الحق من خلال شخصية ، فالحق هو قدرة إرادية يخولها القانون لشخص معين في نطاق محدد فالقانون في تنظيمه للعلاقات الفردية يرسم لكل شخص مجالا تتحرك فيه إرادته استقلالا عن الإرادات الأخرى ، وهو ما يترتب عليه وجود الحق .

H– النظرية الموضوعية :

تعرف هذه النظرية الحق بأنه مصلحة مشروعية يحميها القانون، فالمصلحة هي العنصر الجوهري في الحق ، وهي غايته ، وقد تزعم هذا الاتجاه الفيلسوف الألماني اهرنج وقد تفادى هذا التعريف ، كما هو واضح الاحالة إلى أي دور للإرادة والمصلحة المتصورة قد تكون مادية ، كما هو الحال في المصلحة التي يتضمنها حق الملكية ، حيث تتمثل في قيمة مالية كما يمكن أن تكون المصلحة معنوية : فالحق في الحرية أو في الشرف إنما يتضمن قيمة معنوية لا تقل أهمية عن المصالح المالية إن لم تكن تفوقها .

ويضيف اهرنج إلى ذلك العنصر الأول عنصرا ثانيا شكليا هو الحماية القانونية التي يسبغها القانون على المصلحة ، والتي تتمثل اساسا في الحق في رفع الدعوى القضائية .

 

 

H– النظرية المختلطة ( الإرادة والمصلحة ) :-

يذهب أنصار هذه النظرية إلى الجمع بين نظرية الإرادة ونظرية المصلحة ، فيعرفون الحق بأنه إرادة ومصلحة غير أن من أنصار هذا المذهب من قدم عنصرا الإرادة ومنهم من رجح عنصر المصلحة.

فالحق عند الفريق الأول ، هو سلطة للإرادة ، يضفى عليها القانون اعترافه وحمايته ، وأن هذه السلطة ترد على مال أو مصلحة ، وجوهر الحق هو تلك السلطة أو الإرادة ، وليس المصلحة .

أما الفريق الثاني الذي يغلب عنصر المصلحة ، فيعرف الحق بأنه مصلحة يحميها القانون عن طريق الاعتراف بقدرة الإرادة على تمثيلها والدفاع عنها ، فالمصلحة هي عنصر الحق الغالب ، وقدرة الإرادة ما هي إلا وسيلة لازمة لحماية المصلحة والدفاع عنها .

ثانيا انكار فكرة الحق :-

H– نظرية ديجي :-

تزعم هذا الاتجاه ليون ديجي في فرنسا، وقد بدأ هذا الفقيه نظريته باعطاء الحق تعريفا محددا ، ثم تولى بعد ذلك هدم هذا التعريف .

فقد عرف ديجي ،الحق بأنه سلطة تخول للفرد مكنة فرض إرادته على المجتمع وعلى الأفراد الآخرين ، والحق ” لابد أن يكون على هذا النحو ، أو لا يكون شيئا على الإطلاق ، ووفقا لهذا المفهوم لا يتصور الحق إلا إذا تصورنا أن هناك إرادة أسمى من إرادة الأولى تفرض ذاتها والثانية تخضع لها .

ولكي يقيم ديجي الدليل على صدق تحليله، فإنه يقدم بعض الفروض التي لا يتمتع فيها الشخص بحقوق رغم أن النظام القانوني يفتح أمامهم طريق الدعوى القضائية فحين تقع جريمة جنائية فإنه لا يمكن القول بوجود حق معين، لا قبل ارتكاب الجريمة ولا بعد وقوعها فحين تقع الجريمة فإن أجهزة الدولة تتحرك بحثا عن الفاعل ، لكي تقييم ضده دليل الادانة ، ثم يحكم عليه ، وأخيرا يطبق عليه العقاب وواضع أن لا مجال في تقدير ديجي للحديث عن حق في مثل هذا الفرض .

ولكن ما هي الفكرة البديلة لتصور العلاقات بين الأفراد ؟

هنا يقدم ديجي القانون الوضعي قائلا إن قواعد هذا القانون تضع الفرد في مركز يرتبط فيه بالأفراد الآخرين في إطار من الالتزام باتخاذ موقف إيجابي أو سلبي فالقاعدة القانونية تقتضي من كل منا أن يؤدي مهمة معينة وتخوله سلطة اتخاذ الإجراءات أو القيام بالأعمال اللازمة للوفاء بتك المهمة .

وينتقل ديجي إلى المراكز القانونية فيقسمها إلى نوعين : المراكز الموضوعية ، والمراكز الشخصية.

أما المركز الموضوعي ، فهو ذلك الذي ينبثق عن القاعدة القانونية سواء بطريق مباشر ، أو بطريق غير مباشر عمل إرادي يحدده .

ومن أمثلة المركز الموضوعي مركز المالك والناخب والطفل الشعري والزوج ففي جميع هذه الحالات يتسم المركز القانون بأنه عام ودائم شأن القاعدة القانونية ذاتها .

أما المركز الشخصي فهو الذي يعكس تحقيقا للقاعدة القانونية في حالة فردية ، أي هو المظهر الشخصي للقاعدة الموضوعية ، والمثل الواضح لهذا المركز هو ما ينشأ عن العقد .

H– نظرية كلسن :-

دعاء كلسن إلى تبني نظرية للقانون في صورته الوضعية ،منكرا بصفة كلية نظرية القانون الطبيعي بحسبانها تضفي على القاعدة القانونية صفة غير واقعية .

وتقوم هذه النظرية على استبعاد كل ما يرتبط بالاعتبارات السياسية والعقائدية والاجتماعية والفلسفية من نطاق دراسة وتحليل الظواهر القانونية، إذ يتعين أن تقوم هذه الدراسة على النظر في البناء المنطقي للقواعد الوضعية ومن هنا جاءت تسمية كلسن لنظريته بالقانون البحث وتؤدي هذه الدراسة إلى النظر إلى القانون على أساس أنه نظام قائم في مكان معين وزمان محدد، تتدرج قواعده فيما بينها على شكل هرمي، بحيث تستمد القاعدة الأدنى قوتها من القاعدة الأعلى، وفي قمة الهرم توجد قاعدة أساسية أو ضابط أساسي ، هو الذي يحدد السلطة والاختصاص الأعلى في الجماعة السياسية ، وهذا الضابط الأساسي نشأ عن واقعة تاريخية كميلاد الدولة أو قيام ثورة .. الخ ولا يجوز البحث في صدد هذا الضابط ، أكثر من هذا الحد ، وإلا دخلنا في غيبيات ما وراء الطبيعة .

وقد ترتب على هذه النظرية نتائج أساسية أهمها

1-انكار الحقوق الفردية، فما يسمى بالحق ليس شيئا مختلفا عن القانون الوضعي ، بل أن الأول هو الثاني منظور إليه من زاوية فردية ، أو بتعبير آخر الحق هو تطبيق القاعدة القانونية على هذا الفرد أو ذاك فكل قاعدة قانونية تقرر التزاما قانونيا ولكنها لا تقرر حقا ذاتيا أو فرديا ، ففكرة الواجب هي الأكثر وضوحا ، وما يسمى بالحق ليس إلا تمسكا بأن ينفذ الطرف الآخر واجبه . وتوضيحا للمعنى السابق ، يذكر كلسن أن كل قاعدة قانونية تضع شروطا محددة ترتبط بينها وبين ترتيب أثر قانوني معين ، وعندما يكون لفرد مصلحة فإنه يعبر عن إرادته في تحريك القاعدة القانونية بحيث يصبح النظام القانوني تحت إمرته ضد الملتزم .

 

 

1 2 3