بحث عن الحكم الشرعي
الحكم في الإصلاح العام المتفق عليه, يطلق على النسبة التامة الخبرية .
وينقسم الحكم اللغوي, إلى حكم عقلي, وحكم حسي, وحكم وضعي, وحكم شرعي
وللحكم الشرعي اصطلاحات ثلاثة أصطلاح المتكلمين واصطلاح للفقهاء واصطلاح للأصولين والذي يعنينا من هذه الثلاثة هو اصطلاح الأصوليين .
فجمهور الأصوليين غير الحنفية عرفوه, بأن خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو الخيير وقد زاد بعضه لفظ أو الوضع .
وأما الحنفية فعرفوه بأنه :” ما ثبت بكلام الله تعالى ، والمتعلق بأفعال المكلفين على جهة الاقتضاء أو التخيير أو الوضع .
شرح تعريف الجمهور :-
الخطاب مصدر خاطب والمقصود من الخطاب لغة توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ثم أطلق على الكلام الموجه للإفهام في الحال وفي المال على خلاف في ذلك ثم نقل إلى ما يقع به التخاطب وهو هذا الكلام النفسي الازلي .
ويطلق الخطاب في عرف الأصوليين على الكلام الذي خوطب الغير به سواء كان قولا لسانيا أم كلاما نفسيا على سبيل المجاز المرسل من باب اطلاق المصدر على اسم المفعول كاطلاق العلم على المعلوم .
وقد صار حقيقة عرفية في ذلك بحيث لا يراد منه عند الإطلاق إلا نفس الكلام الموجه المخاطب به .
والخطاب جنس في التعريف وهو يطلق على المعنين :-
الأول : ما يكون في النفس من المعاني والإرادات وهو الكلام النفسي .
والثاني : الألفاظ والكلمات التي يعبر بها عما في النفس من المعاني والإرادات وهو الكلام اللفظي .
والمراد بخطاب الله تعالى :” وهو كلامه النفسي الأزلي المرتب ترتيبا لا تعاقب فيه ولا انقضاء لأنه هو الذي يطلق عليه كلمة الحكم .
ولما كان الكلام النفسي خفيا على المكلفين لا اطلاع لهم عليه لأنه صفة من صفات الله تعالى أقام الشارع ما يوصلهم اليه ويعرفهم به وهو الكتاب والسنة وغيرهما من الأدلة مقامه .
ولهذا سميت بالأدلة لأنها تدل الناس وتوصلهم إلى معرفة الأحكام الخفية فكانت هذه الدلائل أمارات عليه لأن الكلام النفسي الازلي لا اطلاع لنا عليه فجعلت الأدلة معرفات له أي مظهرات وكاشفات عنه لا مثبتات له .
ولا يقال أضافة الخطاب إلى الله تعالى تدل على أنه لا حكم إلا خطابه تعالى مع أنه قد أوجب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر فخطابهم حكم أيضا لأنه ثابت بخطابه تعالى وكائف عن حكمه سبحانه وتعالى .
وليس المراد هنا بالخطاب المتعلق بأفعال جميع المكلفين, فإن ذلك لا يتحقق لأن جميع المكلفين يوجدوا في وقت واحد حتى يتعلق بهم الخطاب فليس المراد جميع المكلفين يوجدوا في وقت واحد حتى يتعلق بهم الخطاب فليس المراد العموم وأنما المراد الجنس في كل منهما فيكون الخطاب متعلقا بجميع أفعالهم في حالة عدمهم بمعنى أنهم إذا وجدوا كانوا مأمورين ومنهيين بذلك الخطاب فلا يشترط في التعلق وجود المكلفين بخلاف المتعلق بأفعال جميع المكلفين فإنه لا يكون إلا حين وجودهم فيلزم عليه عدم صدق التعريف على المعرف فيكون غير جامع .
ويخرج بقيد أفعال المكلفين خطاب الله تعالى : المتعلق بذاته وصفاته :مدلول قوله تعالى :” شهد الله أنه لا إله إلا هو ” وقوله تعالى :” ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء ” والمتعلق بذوات المكلفين وصفاتهم من حيث الخلق كمدلول قوله تعالى :” والله خلقكم وما تعملون فإنه متعلق بفعل المكلف من حيث أنه مخلوق الله تعالى والخطاب المتعلق بالجمادات كمدلول قوله تعالى :” ويوم نسير الجبال وقوله تعالى :” والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ” والخطاب المتعلق بذوات بقية الحيوانات وصفاتها وأفعالها كمدلول قوله تعالى :” والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون”.
اعتراضات وردت على التعريف :-
لم يسلم هذا التعريف من الاعتراضات كما لم يسلم غيره فقد وردت عليه اعتراضات كثيرة نكتفي هنا بذكر ما هو جدير بالذكر وأولى بالاهتمام مع ذكر الرد عليه .
1- الاعتراض الأول :-
اعتراض على تعريف الحكم الأصولي المتقدم بأنه يستلزم الدور لأن لفظ المكلف قد ورد جزءا فيه وحقيقة المكلف من تعلق به حكم الشرع وألزم بما فيه كلفة فلا يعرف الحكم الشرعي إلا بعد معرفة المكلف لأنه الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين ولا يعرف المكلف إلا بعد معرفة الحكم الشرعي لأنه الذي يطالب بحكم الشرع فتوقفت معرفة كل منهما على معرفة الآخر وهذا التوقف دور
2- الاعتراض الثاني :-
اعترض على هذا التعريف ايضا بأنه غير جامع لجميع أفراد الحكم فأن تقييد تعلق الخطاب فأفعال المكلفين خاصة وقد أخرج الأحكام التكليفية التي تعلقت بفعل الصبي فإنه يثاب على صلاته وصومه وإثابته عليهما تقتضي أنهما عبادة قد أمر الشارع بها والأمر بها حكم تكليفي تعلق بفعل غير المكلف .
3- الاعتراض الثالث :-
وقد اعترض المعتزلة على هذا التعريف بأنه تعريف بالمباين لأنه تعريف للحكم الذي هو أمر حادث بالخطاب الذي هو أمر قديم . وتعريف الحكم بالخطاب يستلزم اتحاد الحكم والخطاب في القدم والحدوث .اما قدم الخطاب فلأنه كلام الله النفسي وهو صفة قديمة فلا حاجة إلى دليل عليه وأما حدوث الحكم فالدليل عليه من ثلاثة أوجه:-
الوجه الأول :- أنه يوصف بالحدوث أي الثبوت بعد أن لم يكن ثابتا لا الوجود بعد العدم .
الوجه الثاني : أن الحكم يكون صفة معنوية لفعل العبد كقولنا هذا وطء حلال فجعل الحل الذي هو حكم شرعي صفة للوطئ الذي هو فعل للعبد وهذا الفعل حادث بالاتفاق .
الوجه الثالث : أن الحكم الشرعي يكون معلالا فعل العبد كقولنا حلت المرأة بالنكاح فالنكاح علة 0للحل وهو أمر حادث فيكون معلوله الإباحة أولى بالحدوث لأن المعول لا يجوز تقدمه على العلة . وإذا ثبت حدوث الحكم ثبت أن تعريفه بالخطاب القديم تعريف بالمباين فيكون تعريفا باطلا .