بحث فى الركن المادي فى جريمة القتل
يقوم الركن المادي لجريمة القتل على عناصر ثلاثة00 السلوك 00النتيجة 00وعلاقة السببية بينهما .
أولاً السلوك :-
السلوك هو العنصر الأول في الركن المادي لجريمة القتل وغالبا ما يدخل هذا السلوك في فعل إيجابي صادر عن الجاني ولكن قد يكمن في مجرد الامتناع إذا توافرت شروط معينة .
السلوك فعل إيجابي :-
الفعل الإيجابي السبب في الوفاة قد يمارس تأثيرا عضوياً مباشرا على جسد المجني عليه فيسبب ازهاق روحه وقد يصل إلى هذه النتيجة من خلال التأثير النفس والعصبي على الضحية وبينما لا يثير الفرض الأول خلافاً يشك البعض في اقرار الفرض الثاني .
أ – التأثير المباشر للفعل على الجهاز العضوي للمجني عليه :-
غالباً ما يؤدي الفعل الإيجابي من جانب الجاني إلى وفاة المجني عليه في القتل من خلال التأثير المباشر على جسده ويستوي في نظر القانون الوسيلة التي استخدمت للوصول إلى هذه النتيجة فيستوى بداءة أن يستخدم الفاعل أداة كسلاح ناري أو ابيض أو سم أو تيار كهربائي أولا يستخدم أداة في القتل كأن يتم باغراق أو خنق باليدين أو ركلة قدم في مقتل والوسائل القاتلة في نظر القانون سواء حيث لم يحدد وسيلة بعينها لارتكابه فقد وردت نصوص خالية من أي إشارة اليها فالمادة 230 عقوبات تقول :” كل من قتل نفساً عمداً ” .
ويستوي أخيراً 00 أن يتشكل السلوك من فعل إيجابي واحد أو أن يضم عدة افعال محدثة لذات النتيجة كأن يوجه الجاني عدة ضربات بعصاه على رأس المجني عليه أو يطلق عليه عدة طلقات أو يدس له السم على جرعات متتالية كما يستوي أن يؤدي الفعل إلى أحداث النتيجة في الحال أو بعد فترة من الزمن طالت أم قصرت طالما ثبتت قيام علاقة السببية بين الفعل والنتيجة .
ب – إحداث الفعل للوفاة من خلال التأثير النفسي والعصبي :-
هل يسأل عن قتل من اقتصر لقتل ضحيته على اتيان فعل لا يمس جسده وأنما يؤثر فقط على نفسيته أو جهازه العصبي على نحو قاتل ؟ ولتصور هذا الفرض يمكن تقديم بعض الأمثلة القضائية كأن يؤدي الاعتداء على الأم إلى مقتل الابن المحمول على يديها خوفاً ورهبة من الاعتداء أو أن يؤدي التهديد أو محاولة الضرب إلى تقهقر المجني عليه وسقوطه في نهر أو حفرة .
يذهب الرأي الراجح في الفقه المصري إلى الاعتداد بالوسائل النفسية كسبب للقتل وسنده في ذلك أن القانون لم يميز بين الوسائل المادية والوسائل النفسية المحدثة للقتل أما عن صعوبة إثبات علاقة السببية بين الفعل والنتيجة فلا يصح أن يستخلص منها قاعدة مطلقة تنفي مسئولية مرتكب الفعل ذوي التأثير النفسي القاتل وإنما يجب أن تبحث كل حالة على حده لبيان مدى توافر هذه العلاقة من عدمه .
2- السلوك في صورة أمتناع :-
هل يسأل الشخص إذا امتنع عن اتيان فعل إيجابي كان من شأنه الحيلولة دون حدوث القتل ؟ مثال ذلك أن يكون في مقدور مصطاف يجيد السباحة انقاذ طفل من الغرق فلا يبادر إلى ذلك فيموت الطفل غرقا أو أن تمتنع ممرضة من اعطاء دواء لمريض فتزهق روحه .
أ –موقف الفقه :-
كان الفقه الفرنسي القديم يقر مسألة الممتنع عن النتيجة الإجرامية طالما توافرت علاقة السببية بين الامتناع والنتيجة أما الفقه الحديث هناك فيبدو عازفاً عن هذا الاتجاه استناداً إلى الوضع التشريعي الفرنسي ويؤيد الفقه المصري تأثرا بالفقه الألماني هذه المسئولية مع تحديد دقيق لمفهوم الامتناع كصورة للسلوك الإجرامي تستتبع المسئولية الجنائية وتتوافر فكرة الامتناع لدى هذا الفقه يجدر توافر الشروط التالية :-
أ – أن يكون الممتنع ملتزماً قانونا بأتيان الفعل الايجابي الذي كان من شأنه الحيلولة دون حدوث الوفاه ولا يكفي في هذا المقام توافر مجرد الواجب الأخلاقي وعلى ذلك فامتناع المصطاف عن انقاذ الطفل من الغرق في المثال سابق الذكر لا يدخل في مفهوم الامتناع كسلوك اجرامي نظراً لعدم قيام التزام قانوني يوجب عليه الوفاء رغم قيام الواجب الأدبي بانقاذ الطفل من الغرق .
ب – أن يكون في استطاعة الممتنع الوفاء بالتزامه إذا لا تكلفه بمستحيل فرغم التزام الآب برعاية اسرته والحفاظ عليها فلا يسأل عن عدم انقاذه طفلة من الغرق طالما أنه لم يكن في مقدوره ذلك لعدم اجادته السباحة .
ج- إلا يكون الامتناع مسبوق بعمل إيجابي أتاه الغير ومن شأنه في ذاته أن يحقق الوفاه فعدم قيام رجل الشرطة بالتزامه في منع المعتدي من قتل المجني عليه لا يرتب مسئولية الأول عن القتل وقد يصدر العمل الإيجابي من المجني عليه نفسه كما في الانتحار فتكول الزوج عن منع زوجته من الانتحار لا يرتب مسئوليته عن وفاتها فضلا عن عدم تجريم المشرع للانتحار الذي اسهم الزوج في وقوعه بامتناعه عن انقاذ زوجته من الأقدام عليه .
ب – موقف انقضاء :-
القضاء المصري لم يحسم بعد على نحو واضح في هذا الصدد فقد برأت محكمة جنايات الزقازيق أما تركت وليدها يهلك بعد ولادته مما سبب وفاته وأسست البراءة على أن الأم لم ترتكب عملاً إيجابيا يكشف عن قصد القتل كما رأي قاضي الإحالة توافر القتل الخطأ في واقعة عدم ربط الأم الحبل السري لابنها تأسيساً على عدم توافر القصد لديها ومتأثراً برأي الفقه الفرنسي في أن القتل العمد لا يقع بالترك
ثانياً : النتيجة الإجرامية :-
النتيجة الإجرامية في جريمة القتل00 هي وفاة المجني عليه وتتحقق بانتهاء النفس الأخيرة وتوقف نبضات القلب وفي هذه النتيجة الاعتداء على الحياة الذي استهدف تجريم القتل تفادي حدوثه ويجب التمييز بين هذه النتيجة الإجرامية متمثلة في الوفاه وبين الآثار المترتبة عليها في صورة اضرار تصيب افراد اسرته فهذه الأضرار تستتبع الحق في التعويض المدني عنها وهو موضوع الدعوى المدنية المستقلة عن الدعوى الجنائية التي تستهدف تطبيق العقوبة المقررة للجريمة وعلى ذلك فالنتيجة الإجرامية في جريمة القتل هي الوفاة تجريداً عما قد يترتب عليها من اضرار للغير .
وتحقق الوفاه لازم في جريمة القتل الكاملة فلا يغني عنها أن يكون الجاني قد استعمل أداة صالحة بطبيعتها لاحداثها وكذلك لا يكفي لحدوث القتل أن يصيب الجاني المجني عليه بجرح أو مرض يستتبع الوفاه حتما طالما أن هذه الوفاه لم تحدث بعد واخيرا لا يغني حدوث الوفاه أن يتوقف القلب بضع دقائق ثم تعود اليه نبضات عقب تدخل الطبيب بجراحة دقيقة .
ثالثا : علاقة السببية :-
مضمونها لدى الفقه والقضاء :-
لا تثير السببية بين السلوك والنتيجة مشكلة إذا كانت الأخيرة لم تحدث إلا بسبب الأول دون أن يشاركه في احداثها أية عوامل أخرى مثال ذلك أن يطلق الجاني عيارا ناريا يصيب المجني عليه في مقتل فيموت في الحال 00 ولكن الأمر لا يحدث غالبا بهذه البساطة في الواقع فإلى جانب سلوك الجاني تتدخل عوامل طبيعية أو انسانية سابقة أو لاحقة عليه أو معاصرة أياه تسهم معه في احداث النتيجة عندئذ يثور التساؤل عما إذا كان الجاني مسئولا عن النتيجة التي احدثها سلوكه بالتضافر مع عوامل أخرى فإذا أطلق أحدهم على الآخر عيارا ناريا سبب له جرحا فنقل على أثره إلى المستشفى للأسعاف إلا أنه توفى في الطريق على اثر حادث تصادم أو بالمستشفى نتيجة حريق أتى عليها أو لخطأ الطبيب المعالج فهل يسأل مطلق الرصاص عن الوفاة رغم تضافر هذه العوامل الأخرى مع سلوكه في احداث القتل ؟ .
أ – موقف الفقه :-
لقي هذا التساؤل اهتماما خاصا من الفقه الألماني الذي صاغ أكثر من نظرية للإجابة عليه 00وهى :-
نظرية تعادل الأسباب :-
تقر نظرية تعادل الاسباب المساواة بين العوامل المحدثة للنتيجة فالعامل سبب لإحداث النتيجة طالما أن لولا تدخله لما حدثت الوفاه على النحو الذي حدثت به فاطلاق الرصاص الذي أصاب المجني عليه بجرح وحادث الطريق الذي ضاعف من خطورته وخطأ الطبيب المعالج وكذلك حريق المستشفى الذي أتى على من فيه كلها عوامل تضارفت في احدث النتيجة فيجب اقرار المساواة بينها ومع ذلك فإن يسأل عن الوفاة في هذا الفرض سوى صاحب السلوك الإجرامي الذي انطلق منه هذا التسلسل السببي وهو مطلق الرصاص ويستوي في ذلك ان تكون العوامل الأخرى متوقعة أم لا .
وقد أخذ على هذه النظرية00 قصورها المنطقي إذ بينما تبدأ باقرار المساواة بين العوامل المحدثة للنتيجة تنتهي بالقاء تبعتها إلى السلوك الذي انطلق منه التسلسل السببي دون غيره من العوامل .
نظرية السبب الملائم أو الكافي :-
هذه النظرية الأخيرة تحمل صاحب السلوك الإجرامي تبعه نتيجته الإجرامية إذا كانت هذه الأخيرة متوقعة أي عندما تكون العوامل التي اسهمت مع سلوكه مألوفة طبقاً للسير العادل للأمور أما حين يتدخل في احداث النتيجة عامل شاذ لا يستطاع توقفه فإن علاقة السببية بين السلوك والنتيجة تنقطع ويسأل صاحب السلوك عن الجريمة التي يكونها نشاطه الإجرامي فقط وقد تكون شروعا في قتل أو اصابة خطأ بحسب ما إذا كان الركن المعنوي لديه قائماً على القصد الجنائي أم على الخطأ وعلى ذلك ترتكز هذه النظرية على التمييز بين العوامل المألوفة التي يجب إذا توقعها والعوامل الشاذة التي لا تدخل ي دائرة التوقع . فالعبرة في المألوف وغير المألوف من العوامل هو بما يجب على اشخص العادي توقعه وليس بما توقعه المتهم فعلا
وفي ضوء ما تقدم يعتبر من العوامل المألوفة الحالة المرضية للمجني عليه اهماله في العلاج الخطأ الطبي اليسير بينما تعد من العوامل الشاذة التي لا يمكن عادة توقعها حادث التصادم الذي تتعرض له سيارة الإسعاف وهي تنقل المصاب إلى المستشفى الخطأ الطبي الجسيم إهمال المجني عليه علاج نفسه بقصد تسوي مركز المتهم احتراق المستشفى وهلاك المريض 00ولقد لاقت هذه النظرية قبول الفقه المصري في مجمله ويبدو أن القضاء قد أخذ بها أيضاً .
ب – موقف القضاء :-
يستخلص من أحكام القضاء في مجملها اعتمادها على فكرة السبب الملائم أو الكافي بحيث لا يسال الجاني عن النتيجة ما لم تكن محتملة بحسب السير العادي للأمور وهي تكون كذلك عندما تكون العوامل الأخرى التي اسهمت مع سلوكه في احداثها مألوفة ومتوقعة بحسب ما تجرى به الأمور عادة
2- رابطة السببية حال تعدد الجناة :-
لبيان مدى توافر رابطة السببية والسلوك والنتيجة الإجرامية حال تعدد الجناة يجب التميز بين حالتي المساهمة الجنائية من ناحية ومجرد التوافق من ناحية أخرى .
ففي حالة المساهمة الجنائية الإصلية أو التبعية00 تمثل الجرائم وحدة واحدة ترتب مسئولية جنائية تضامنية بين المساهمين فيها بحيث يسأل الفعال عن الوفاه أيا كان قدر مساهمته فيا لنشاط المادي الذي لدى اليها فيستوي مع مطلق الرصاصة القاتلة من أطلق الرصاصة اصابت المجني عليه في غير مقتل كما يستوي مهما مطلق الرصاصة الخائبة التي لم تصب المجني عليه .
أما في حالة التوافق على ارتكاب القتل00 فتتعدد الجرائم بتحديد الفاعلين ولا يسأل كل منهم إلا عن نشاطه وما تولد عنه من نتيجة فلا يسأل عن من أتى من سلوك أسهم في احداث الوفاه بينما يسأل باقي الفاعلين عن مجرد مشروع في قتل باعتبار الفاعل القاتل مجهول بينهم .
3- بيان رابطة السببية في القتل :-
كشرط بديهي لأسناد النتيجة الإجرامية إلى السلوك تمثل رابطة السببية بيانا جوهريا يجب أن يعني الحكم باستظهار وإلا كان مشوبا بالقصور الموجب لنقضه وهذا شأن الحكم الذي لم يبين كيف انتهى إلى أن الإصابات الواردة بتقرير الصفة التشريحية هي التي سببت وفاة المجني عليه وقضي بأنه لا يعيب الحكم عدم بيانه الجروح الواقعة في مقتل والجروح الواقعة في غير مقتل ما دام انه بينها جميعاً ونسب حدوثها إلى المتهم وحده دون غيره وبغير مشاركة وثبوت قيام علاقة السببية من المسائل الموضعية التي ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها .