بحث عن تعريف الالتزام وعناصره
يختلف العلماء في تعريف الالتزام00 اختلافا يقوم على اختلاف مذهبهم في النظر إلى الالتزام فالبعض يغلب أهمية الأشخاص على الموضوع وينظر في الالتزام نظرة شخصية ولذا يعرفه بانه هو رباطة قانونية بين دائن ومدين يلتزم المدين بمقتضاها أن يقوم بعمل أو أن يمتنع عن عمل لمصلحة الدائن ويذهب البعض الآخر إلى أن النظرة الشخصية للالتزام التي تجعل الرابطة بين الدائن والمدين دون القيمة المالية التي يمثلها الالتزام العنصر الجوهري للالتزام .
إلا أننا نعتقد مع جمهور الفقهاء أن تعريف الالتزام لا يرتبط في صورته بنظرة مادية او شخصية إلى الالتزام فهذا التعريف يجب أن يكون دالا على معناه ومبنيا على تصوير تركيبة وبنيانه بصرف النظر عن أية نظرة إليه أي يجب أن يبني على تحليل دقيق لمعنى الالتزام في ذاته والالتزام باعتباره الواجب المقابل للحق الشخصي يمكن أن يعرف تعريفها له هذه الخواص بأنه واجب قانوني خاص يجعل على عاتق شخص أن يقوم بأداء عمل او امتناع ذي قيمة مالية لمصلحة شخص آخر . ومن التعريف السابق نستطيع أن نحدد خصائص الالتزام بثلاث وهي :-
1- أنه واجب قانوني & 2- أنه واجب خاص & 3- أنه واجب ذو قيمة مالية
1- الالتزام واجب قانوني :-
فهو واجب بمعنى أنه ارتباط بسلوك معين يتمثل في القيام بعمل أو الامتناع عن عمل لمصلحة آخر هو الدائن أو صاحب الحق ويذهب كثير من الفقهاء إلى ان صورة الأداء لا تقتصر على العمل او الأمتناع بل يضيفون اليهما صورة ثالثة هي صورة إنشاء أو نقل الحق العيني كالتزام البائع بنقل ملكية المبيع ويقولون أن محل الالتزام في هذا الحال هو نقل الملكية أو الإعطاء . ولكن بعض الفقهاء لاحظوا بحق أن نقل الملكية أي الإعطاء لا يتحقق إلا بعمل يقوم به الملتزم ولذا لم يروا في الالتزام بإعطاء إلا صورة من الالتزام بعمل وقصروا صور الالتزام على صورتي الالتزام بعمل والالتزام بامتناع عن عمل .
وأمثلته في نطاق الحقوق المالية القسر على التنفيذ أن كان ممكنا أي التنفيذ العيني الجبري وإلزام المخالف بتعويض ما لحق بالغير من ضرر أو فسخ العقود لحرمان المخالف مما يكسبه بها من حقوق وغير ذلك . فتسمية الالتزام تقتصر على الواجب القانوني ولا يمكن أن تمتد إلى أي واجب آخر غير قانون سواء أكان واجبا اخلاقيا أو دينيا ويضطرنا إلى تأكيد هذه الحقيقة ما قدر يثور من لبس بسبب كلام الفقه عن التزام لا يجبر القانون على الوفاء به يسمى الالتزام الطبيعي .
على أن التشريع المصري يستخدم في نصوص القانون المدنى مصطلح التزام الطبيعي وينظم أحكامه في المواد من 199 إلى 202 وهو يقضي في المادة 200 بأنه :” إذا لم يقرر الشارع في النصوص قيام التزام طبيعي فإن القاضي يقدر ما إذا كان هذا الالتزام قائما في الحالة المعروضة عليه وأنه على كل حال لا يجوز أن ينشأ التزام طبيعي مخالف للنظام العام ولكن استخدام النصوص لتسمية الالتزام الطبيعي لا يمنح هذا المصطلح قوة تجنبه النقد ولذا فمن الأوفق أن يعدل الشارع عن استخدامه .
2- الالتزام واجب خاص :-
معنى أنه واجب خاص أنه ينشئ على عاتق الملتزم عبئا محددا يثقل ذمته لسبب خاص يقوم بالنسبة له دون غيره من الأشخاص الذين لا يستحملون بالالتزامات والالتزام باعتباره واجبا قانونا خاصة يتميز عن الواجب القانوني العام الذي ينشأ على عاتق كل شخص في جماعة بحكمها القانون بأن يحترم حقوق الغير سواء أكانت حقوقا مالية او غير مالية فهذا الواجب العام له مضمون ثابت لا يتغير هو عدم الاعتداء على حق الغير أي أنه واجب بالامتناع عن الاعتداء .
3- الالتزام واجب ذو قيمة مالية :-
الالتزام هو الواجب المقابل للحق الشخصي ولذا فمن الطبيعي أن تكون له قيمة مالية والقيمة المالية للالتزام تقتضي ألا تكون المصلحة التي تتحقق من الوفاء بالأعمال الواجبة بمقتضى الالتزام غير قابلة للتقويم بالنقود وعلى ذلك فواجبات الأسرة كواجب الأبناء احترام الوالدين أو واجب الوالد في رعايا وتربية أولاده وكذلك واجب الموظف في أداء عمله بالذمة والأمانة .
أنواع الالتزامات :-
تنقسم الالتزامات إلى عدة تقسيمات ولعل أهمها ما يلي :-
1- الالتزامات الإدارية والالتزامات غير الإدارية
اساس هذا التقسيم الواقعة المنشئة للالتزام إرادية والتزمات غير إرادية وذلك تبعا لما إذا كانت الإرادة هي التي تنشئ الالتزام أم أنه ينشأ وتتحدد آثاره دون تدخل من إرادة ذوي الشأن والالتزامات الإدارية هي التي تنشأ من العقد أو الإرادة المنفردة وأما الالتزامات غير الإرادية فهي التي تنشأ عن العمل غير المشروع أو الإثراء بلا سبب أو القانون .
2- الالتزام المدني والالتزام الطبيعي :-
تنقسم الالتزامات من حيث إمكان الإجبار على تنفيذها إلى التزامات مدنية والتزامات طبيعية والأولى هي التي يتوافر فيها عنصر المديونية والمسئولية ويمكن فيها إجبار المدين على التنفيذ إذا لم يقم بالتنفيذ اختياريا وهذه هي الحالة الغالبة بالنسبة لمعظم الالتزامات . أما الالتزامات الطبيعية فلا يتوافر فيها إلا عنصر المديونية ولذلك لا يمكن إجبار المدين على التنفيذ .
3- الالتزام بإعطاء والالتزام بعمل والالتزام بالامتناع عن العمل :-
تنقسم الالتزامات من حيث المحل إلى التزام بإعطاء والتزام بعمل والتزام بالامتناع عن عمل والالتزام بإعطاء يقصد به الالتزام بنقل أو إنشاء حق عيني أصلي أو تبعي ومثاله التزام البائع بنقل الملكية أو التزام مالك بإنشاء رهن على عقاره لمصلحة الدائن . وأما الالتزام بعمل فيقصد به القيام بعمل إيجابي لا يكون نقل حق عيني أو إنشاءه ومثاله التزام المقاول بإقامة مبنى والتزام الطبيب بعلاج مريض والتزام البائع بتسليم المبيع . وقد يكون الالتزام امتناعا عن عمل ويقتضي هذا ان يمتنع المدين عن القيام بعمل كان يستطيع القيام به لولا وجود هذا الالتزام ومثاله التزام بائع المحل التجاري بالامتناع عن فتح محل تجاري مماثل لمدة معينة .
4- التزام بتحقيق نتيجة والتزام ببذل عناية :-
تنقسم الالتزامات إلى التزام بتحقيق نتيجة والتزام ببذل عناية فإذا كان الأداء الذي التزم به المدين مطابقا للغاية أو هذا الهدف فإننا نكون بصدد التزام بتحقيق نتيجة ومثاله التزام البائع بنقل ملكية المبيع والتزام المقاول ببناء منزل معين إذ في المثالين يتفق هدف الدائن وهو المشتري في المثال الأول ورب العمل في المثال الثاني مع أداء الذي يلتزم به المدين أما إذا كان الأداء الذي يلتزم به المدين ليس هو الغاية أو الهدف الذي يقصد الدائن تحقيقه وانما من شأن هذا الأداء أن يحقق عادة هذه الغاية أو هذا الهدف فإننا نكون بصدد التزام ببذل عناية ان بوسيلة ومثال التزام الطبيب بعلاج مريض والأصل أن يبذل الملتزم من العناية ما يبذله الشخص المعتاد ما لم ينص القانون أو الاتفاق على غير ذلك .
أهمية نظرية الالتزام :-
تعتبر نظرية الالتزام من أهم النظريات القانونية نظرا لما تتصف به قواعدها من عمومية وتجريد جعلها تنطبق على جميع معاملات الأشخاص مهما تنوعت لأن هذه المعاملات ترتد جميعا إلى أصول عامة وقواعد كلية توجد في نظرية الالتزام فهي إذا عماد القانون المدني بل عماد القانون الخاص بصفة عامة لأنها لا تحكم علاقات القانون المدني فحسب بل تتجاوزه لتحكم كثيرا من علاقات القانون الخاص فحسب بل تتجاوزه لتحكم كثيرا من علاقات القانون الخاص فحيث لا تحظى علاقة من علاقات القانون الخاص بتنظيم معين فإنها ترد إلى القواعد العامة في نظرية الالتزام .
الترتيب الحديث لمصادر الالتزام :-
إذا رجعنا إلى التقنيات الحديثة كالتقنين الألماني والتقنين السويسري والمشروع الفرنسي والإيطالي والتقنين الإيطالي وأردنا أن نستخلص منها ما توخته من ترتيب المصادر الالتزام أمكن أن يقال في شيء من التعميم أن المصادر التي أقرتها هذه التقنيات خمسة العقد والإرادة المنفردة والعمل غير المشروع والإثراء بلا سبب والقانون 00وعلى هذا النحو جرى التقنين المدني المصري فلم يورد نصا خاصا يقر فيه أي ترتيب معين بل اقتصر على عرض مصادر الالتزام المختلفة في فصول متعاقبة مرتبة على النحو المتقدم .
والتقنيات الحديثة جعلت مصادر الالتزام خمسة العقد والإرادة المنفردة والعمل غير المشروع والإثراء بلا سبب والقانون .
فالعقد 00هو توافق إراديتين على إحداث أثر قانون كعقد البيع وعقد الإيجار وهو مصدر عام يندرج تحته كثير من التطبيقات .
و الإرادة المنفردة00 هي إتجاه إرادة الشخص إلى إلزام نفسه دون حاجة لإرادة أخرى لنشوء هذا الالتزام والعمل غير المشروع أو الفعل الضار وهو خطأ من شخص يسبب ضررا للغير فينشأ عنه التزام الفاعل بتعويض الضرر .
والإثراء بلا سبب 00ويسمى أيضا الفعل النافع وهو واقعة تؤدي إلى أثراء شخص على حساب آخر فينشأ عنها التزام المثري بتعويض المفتقر بقدر افتقاره ولكن في حدود الإثراء .
وأما القانون00 فهو مصدر مباشر للالتزام في الحالات التي لا يمكن فيها رد الالتزام إلى مصدر من المصادر الأربعة السابقة ومثالها الالتزامات الناشئة عن القرابة والتزامات الجوار .
أما المصادر الأربعة وهي العقد والإرادة المنفردة والعمل غير المشروع والإثراء بلا سبب فيمكن ردها إلى قسمين مصادر إرادية ومصادر غير إرادية00 فالمصادر الإرادية هي العقد والإرادة المنفردة ويطلق عليها التصرف القانون أو العمل القانوني وهو إتجاه الإرادة إلى إحداث أثر قانون معين
أما المصادر غير الإرادية فهي العمل غير المشروع والإثراء بلا سبب وتتميز هذه المصادر بان القانون هو الذي يحدد الأثر المترتب على هذه الوقائع دون اعتبار لإرادة ذوي الشأن .